تقنيات السرد وأشكال الخطاب في رواية “عشيق المترجم”

10m14

رياض حمَّادي

“إن “المؤلف” ليس هو ذلك الذي يخترع أجمل قصة, ولكنه ذلك الذي يستحوذ جيداً على النظام الذي يتقاسم استخدامه مع المستمعين” رولان بارت

مثلما أكمل الله خلق الكون في سبعة أيام, يتم الترجمان العجوز إملاء كتاب حياته الأول في سبعة فصول وخلال سبع ليالٍ. ولهذا التقدير السردي في تقسيم الحكاية, علاقته بالسرد الوارد في الآية 11 من سورة سبأ, التي افتتح بها جان دوست روايته “عشيق المترجم” (1), لكن في توظيف جديد لمعنى السرد القديم الذي كان يعني “نسج الدروع”, ويقال لصانعها “سرّاد” (2). في حين أعاد السارد هنا توظيف مفردة “السرد” القديمة وحمّلها معنى جديد هو السرد الروائي المعروف, الذي حمله صفة التقدير. والخطاب في الرواية يحوي رسالتين وموجه إلى طرفين: إلى السارد, ورسالته أن “قَدِّرْ فِي السَّرْدِ”, وللمتلقي – ساردين ونقاد وقراء – ليعطيهم فكرة عن التقدير السردي الدقيق المبذول في الرواية شكلاً وموضوعاً, ثم ليعملوا (صالحاً) بمضمون ما جاء فيها من دلالات. إن تصدير جزء الآية السابق يشير إلى العناية ببنية الرواية – أية رواية – وهي “الحكاية” و “السرد”, أو إلى الدلالة وكيفية تشكلها. والرواية في محاكاتها لقصة الخلق الدينية, رؤية أو خطاب من أجل إعادة خلق العالم من خلال إعادة فهم جوهر الدين وقيمه الإنسانية.

تقنيات السرد وأشكال الخطاب   استمر في القراءة

ساق البامبو

ساق البامبو

رياض حمَّادي

حين يكون للشعر معانٍ تتجاوز قوافيه السطحية لتغوص في موسيقاه الروحية. هنا, وفي هذا العصر العربي الجديب, ما زال للعرب ديوان, لكن من خلال الرواية. بعد قراءتك لهذه الرواية لابد وأن تتفق معي على أن الرواية أصبحت ديوان العرب… أو أننا شركاء في هذا الديوان العالمي, وبجدارة…

ما يميز ساق البامبو هو أنه ليس له جذور, لذلك, يمكن قطعه وزرعه في أي بيئة. خوسيه هو ساق البامبو حين اعتقد أن اسم عيسى وجواز السفر الكويتي الأزرق قادران على إخراجه من جحيم الفلبين إلى جنة الكويت. لكن ملامحه الفلبينية تجعله يعجز عن التأقلم في البيئة الصحراوية العربية بالرغم من اسمه العربي وجواز سفره الكويتي. ما يجعله تائها بين علمين ونشيدين وطنيين وحائراً بين فوز وخسارة في مباراة يلعبها معه وضده في آن وكأنه يسجل أهدافها في مرماه!   استمر في القراءة

سيدهارتا – الرجل الذي بلغ هدفه *

 

صديقان , سيدهارتا و جوفيندا جمعهما هدف واحد هو البحث عن الطريق القويم , البحث عن الحكمة , فيمضيان في طريق واحد لكنهما يفترقان في منتصف الطريق جوفيندا يلتحق بالمعلم جواتاما بوذا معتقدا بأنه سينال الحكمة  من خلال صحبته مع بقية النساك أما سيدهارتا فيمضي في طريقه معتقدا بأن الطريق القويم أو طريق الحكمة  لا يمكن لأحد أن يدله عليه سوى ذاته والتجارب التي يتلقاها من خلال احتكاكه بالحياة في مظاهرها المختلفة , وفي سبيل ذلك يحي حيوات مختلفة ويرتدي ملابس مختلفة فيقضي طورا من حياته في الترف وآخر في الزهد والتقشف فيصل إلى حقيقة مفادها أن الطريق القويم أو الحكمة لا يمكن العثور عليها طالما كانت هدفا للبحث . أما معلميه فهم كثر غانية جميلة وتاجر غني ولاعب بالنرد , صديقه جوفيندا والنهر والناس والأشياء .

يتناهى إلى جيوفندا حديث عن ملاح عجوز يعيش على شاطئ النهر يعتبره الكثيرون حكيما . فيقرر جوفندا الذهاب إليه كي يسأله عن  الطريق القويم دون أن يعرف أن هذا العجوز ليس سوى صديقه القديم سيدهارتا .    استمر في القراءة

كائن لا تحتمل خفته

رواية : كائن لا تحتمل خفته

ميلان كونديرا


عن الحب والخيانة والشفقة والروح والجسد وطغيان الشيوعية

تحميل الرواية : فورشيرد

لم أنتهي بعد من قراءة ” الفتنة ” لهشام جعيط .. رحت أتجول كعادتي بين مجلداتي التي تحوي  مئات الكتب في مجالات متنوعة . قلت في نفسي : ” تعبت من قراءة كتب النقد والتاريخ والفكر فلأرجع لعشقي الأول , الرواية ” . وهكذا رحت أتجول بين مجلدات قسم الرواية وفي نيتي فقط أن أحدد ما سأقرأه بعد انتهائي من ” الفتنة “, فدعاني ميلان كونديرا إلى ضيافته قائلاً : خذ. اقرأ ” كائن لا تحتمل خفته “ .

قلت له : “بضعة صفحات فقط ” لكني لم أستطرد في الحديث عن عادتي  في القراءة, وهي أن الصفحات الأولى هي من يقرر استمراري  في قراءة كتاب ما. والسبب في عدم استطرادي هذا أنني عرفت كونديرا مسبقا , فقد دعاني لقراءة ” المزحة ” يوماً ما , فتكَّون لدي انطباع دائم عنه بأنه روائي لا يمزح وأن أي كتاب يؤلفه لا يمكن أن تقرأ الصفحات الأولى منه فقط .

وهكذا رغم تعبي ورغم اعتقادي في بداية الصفحات الأولى بأن الكائن الذي لا تحتمل خفته ما هو إلا كتاب انطباعات فكرية فلسفية عن نيتشه والعود الأبدي وغيرها من الأفكار مع ذلك تمكنت هذه المقدمة الفكرية الفلسفية من تبخير تعبي أولا ثم لتبخر ثانيا اعتقادي الثاني لأكتشف أن ما أقراه رواية . وماذا يمكن أن تكون !

وهكذا عرفني كونديرا بدوره إلى توماس وتيريزا في الصفحة السابعة . وهؤلاء لا يلحون عليك كثيرا كي تتابع تفاصيل حياتهم بل يجعلونك تستجدي أنت تلك التفاصيل. والتفاصيل برغم أهميتها للرواية إلا أن الكيفية التي تُكتب بها تلك التفاصيل هي الأهم وهنا لا يترك لك كونديرا مجالا للشك بأنه روائي من الطراز الأول. وقد تتساءل من الذي يكتب الآخر كونديرا يكتب توماس وتيريزا وسابرينا وغيرهم أم هؤلاء يكتبون كونديرا ! وفي خضم هذه التساؤلات قد تجد نفسك مكتوبا بين السطور وربما تتحول أنت إلى كاتب يحدد قاعدة الرواية الذهبية غير المكتوبة حيث تضيع الحدود وتتماهى بين الكاتب /الكتاب وقارئه وتبدأ في التساؤل مجددا وعلى ضوء هذه القاعدة , كيف دخل توماس وتيريزا إلى حياتك مثلما تساءل توماس وفكر في الكيفية التي دخلت بها تيريزا إلى حياته خارقا بذلك قاعدته الذهبية التي يعتمدها في نجاح العلاقات الجنسية التي ” تستدعي إلغاء الحب من حياته ” كشرط لنجاح العلاقة بين الرجل والمرأة .   استمر في القراءة

“فيرونيكا تقرر أن تموت” .. وكذلك رياض !!

اسم الكتاب : فيرونيكا تقرر أن تموت

المؤلف : باولو كويلو

عن الموت والجنون ..

كبسولة : المجانين نوعان: المجانين بالبحث عن الحقيقة والمجانين بالابتعاد عنها وتكمن الفضيلة في المسافة التي تبتعد فيها عن الحقيقة فكلما كانت المسافة أبعد كلما زادت رتبك ومكانتك وفرصك في الحياة.

” حسنًا لا بد أنك أحسست يومًا بالضياع والوحدة. أحسست أنك تائه تمامًا، لا تدري إلى أين ستذهب، مجروح، مكسور، مقهور… غارق حتى أذنيك.. ثم يقول أحدهم شيئًا، أو تجد عنوانًا جديدًا في المكتبة وتجد ما تريد.. هناك في أعمق الأعماق وتبدأ في التنفس من جديد. ويبدأ كل شيء في الظهور بشكل جديد في نور جديد وتعود مرة أخرى، تعود لطريقك، ولما تريد أن تفعله، ولما تريد أن تكونه، ولما تريد أن تحسه… وتؤمن مرة أخرى بأحلامك ولديك حماس جديد. الحياة جميلة. وأنت حي وأشياء عظيمة تحدث. هذه هي الحكاية! ” (*)

عندما قررت الرحيل من مدينة الحديدة إلى مدينة صنعاء على نحو نهائي لم أكن أعلم أي شيء عن ما يمكن أن أواجهه في عالمي الجديد لذلك خطرت في بالي فكرة أن آخذ شريطين من حبوب المنوم الذي يتعاطاه خالي يوميا (**). قلت في نفسي ربما أحتاجه عندما تواجهني أي مصائب أو مصاعب. فكرة “الموت المعقول” كما يسميه نيتشه أو الموت الطوعي كما يسميه آخرون أو الانتحار كما يسميه العوام أو الموت المؤجل كما أسميه أنا ليست جديدة علي, فهي تراودني منذ الصرخة الأولى, أي منذ خروجي من رحم أمي. كنت أعتقد بأن شريطين من الحبوب المنومة يحتوي كل شريط على عشر حبات كافية لقتلي خصوصا أن واحدة منها تجعل دقات قلبي كالطبل وتبقيني في حالة من الدوخة وعدم القدرة على النهوض لمدة تزيد عن عشر ساعات ففكرت بأن عشرين حبة كفيلة بنقلي بنجاح خلال القنطرة التي تفصل بين عالمين وأول شيء تعلمته من هذه الرواية أن هذا العدد من الحبوب المنومة غير كافٍ.

كم تناولت فيرونيكا من الحبوب المنومة حتى تجتاز تلك القنطرة؟!  استمر في القراءة

خريف البطريرك

خريف البطريرك

شعرت بالحزن وأنا أضع صورة غلاف رواية ” خريف البطريرك ” مكان غلاف رواية ” باولا ” فصورة باولا البريئة والملائكية على الغلاف أخذت بلبي حتى لوددت أن أبقيها إيقونة ثابتة على الشريط الجانبي للمدونة , والحقيقة أني تعمدت إبقائها أطول فترة ممكنة مع أني خلال هذه المدة قرأت عدة كتب لكن حبي لباولا منعني من أن أضيف أي رابط أو غلاف آخر مكانها وها أنا اليوم أرفعه وأضع مكانه غلاف ماركيز وبطريركه الدكتاتور المريض .

ويبدو أن على حزني أن يكون مضاعفا فهذه هي المرة الثانية التي أكتب فيها تدوينة عن رواية ” خريف البطريرك” فالتدوينة الأولى فقدت نتيجة خلل في خط النت وذلك بعد جهد استمر حوالي الساعة من تداعي الأفكار. كما أنها المرة الثانية التي أقرا فيه هذه الرواية وشتان بين القراءة الأولى والقراءة الثانية ففي القراءة الأولى التي كانت قبل حوالي عشر سنوات لم أكمل الرواية على ما يبدوا فقد شعرت بالملل وذلك بسبب تكنيك الرواية والحقيقة أن كثير من القراء حول العالم شاركوني هذا الشعور والسبب في ذلك ربما يعود لتكنيك الرواية الفريد وأسلوب السرد الذي جعل من الرواية جملة طويلة لا تنتهي. والسبب الثاني يرجع إلى أفق توقعات القارئ الذي كان قد ألف واستمتع بمائة عام من العزلة وتوقع أن أي رواية قادمة ستكون على شاكلتها لكن ماركيز خيب ظننا جميعا قراءً ونقاداً على حد سواء وخيبة الظن هنا إيجابية كون ماركيز لم يرد لروايته ” خريف البطريرك ” أن تكون نسخة أخرى من  “مائة عام من العزلة” ومن ثم بذل جهدا جبارا من أجل ابتكار أسلوب جديد ليصوغ به روايته ” خريف البطريرك “. على كل حال فالرواية أخذت مكانها الذي يليق بها بين الروايات العالمية الأكثر شهرة وإدهاشا ليس فقط لدى النقاد بل ولدى القراء أيضا. وهكذا يبدوا أن روايتنا هذه تحتاج على الأقل لقرائتين كي تكتشف عمقها وتسبر غور براعتها.   استمر في القراءة

باولا و أمي

اسم الكتاب : باولا – رواية

تأليف: إيزابيل الليندي

ترجمة: صالح علماني

أذكر جيدا آخر مرة بكيتُ فيها, بعد وفاة أمي بحوالي عشرة أيام(توفت في العاشرة من صباح الاثنين 12/7/1997) إثر غيبوبة استمرت أسبوعين لم نستطع فيها إيجاد العلاج المناسب حتى في وزارة الصحة ذاتها وفي ظل ظروف مستشفى فوضوي وأطباء نصف أميين, وبعد الدفن ومراسم العزاء في القرية سافرت إلى المدينة وهناك منفردا تمكنت أخيرا من الإجهاش في بكاء مخنوق متحشرج كاد أن يخنقني. وهكذا كانت أمي هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة ظاهرة البكاء وأن هناك سيل من الدموع يمكن أن تنهمر إذا وجدت الفرصة الملائمة لذلك. عندما كنتُ طفلاً أتاحت لي أمي الكثير من الفرص فكان مجرد سفرها إلى المدينة فرصة لا تعوض لذلك السيل كي ينهمر حينها كان سيل الدموع يلتقي عرضاً أو باتفاق مسبق مع خيط طويل ولزج من المخاط يمتد إلى الأرض بينما كان بقية الأطفال يسخرون من ذلك الطفل الذي يبكي لغياب أمه. ومع بلوغي الخامسة عشرة لم تطفر دمعة واحدة أخرى ذلك أني ودعت القرية وأمي مسافراً إلى مدينة أخرى بلا قلب وهناك تحجرت دموعي ولم تجد فرصة أخرى أو أخيرة إلا بعد حوالي عشر سنوات عندما أتاحت أمي الفرصة الأخيرة لصخرة دموعي كي تذوب ومن يومها شمعت مخزن الدموع بالشمع الأحمر ولم تفلح لا الأفلام الحزينة ولا الروايات الواقعية والعاطفية سوى في رسم صورة باهتة لعينين مغرورقتين بالدموع لكن لم تطفر منهما ولا واحدة حتى جاءت باولا وأيقظت أمي من سباتها الطويل لتقول لها بأن لها ابنا يرغب في البكاء فهلا تذيبين تلك الصخور . أو لعلها امي نفسها جاءت متقمصة باولا فظروف موتهما متشابهة رغم اختلاف نوع المرض فقد ماتت باولا إثر غيبوبة استمرت حوالي السنة سببها خطأ طبي – جرعة زائدة من مخدر – أدى إلى تلف في الدماغ. بينما ماتت أمي نتيجة غيبوبة أيضا لكن بدون أن يتمكن نظام علي صالح الطبي من معرفة سببها.

وهكذا استجابت أمي لتوسلاتي السرية لها بأن تمنحني فرصة أخيرة للبكاء بعد فترة طويلة من نضوب نهر الدموع أو تصخرها, ” فرصة أخيرة يا بني لكنها ستطول لما تبقى من حياتك حيث ستظل تذكرني دون أن تتمكن من البكاء مجددا ستبكي نعم لكن بصمت ودموع جافة, وفي يوم من الأيام سآتي إليك متسربلةً باولا لأموت مجددا أمام عينيك لأمنحك دمعة أخيرة متخثرة تتسلل خفية ودون أن تشعر بها وتتوقف تماما عند منتصف خدك الأيسر لكن هذه المرة بدون مخاط ”   استمر في القراءة