باولا و أمي

اسم الكتاب : باولا – رواية

تأليف: إيزابيل الليندي

ترجمة: صالح علماني

أذكر جيدا آخر مرة بكيتُ فيها, بعد وفاة أمي بحوالي عشرة أيام(توفت في العاشرة من صباح الاثنين 12/7/1997) إثر غيبوبة استمرت أسبوعين لم نستطع فيها إيجاد العلاج المناسب حتى في وزارة الصحة ذاتها وفي ظل ظروف مستشفى فوضوي وأطباء نصف أميين, وبعد الدفن ومراسم العزاء في القرية سافرت إلى المدينة وهناك منفردا تمكنت أخيرا من الإجهاش في بكاء مخنوق متحشرج كاد أن يخنقني. وهكذا كانت أمي هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة ظاهرة البكاء وأن هناك سيل من الدموع يمكن أن تنهمر إذا وجدت الفرصة الملائمة لذلك. عندما كنتُ طفلاً أتاحت لي أمي الكثير من الفرص فكان مجرد سفرها إلى المدينة فرصة لا تعوض لذلك السيل كي ينهمر حينها كان سيل الدموع يلتقي عرضاً أو باتفاق مسبق مع خيط طويل ولزج من المخاط يمتد إلى الأرض بينما كان بقية الأطفال يسخرون من ذلك الطفل الذي يبكي لغياب أمه. ومع بلوغي الخامسة عشرة لم تطفر دمعة واحدة أخرى ذلك أني ودعت القرية وأمي مسافراً إلى مدينة أخرى بلا قلب وهناك تحجرت دموعي ولم تجد فرصة أخرى أو أخيرة إلا بعد حوالي عشر سنوات عندما أتاحت أمي الفرصة الأخيرة لصخرة دموعي كي تذوب ومن يومها شمعت مخزن الدموع بالشمع الأحمر ولم تفلح لا الأفلام الحزينة ولا الروايات الواقعية والعاطفية سوى في رسم صورة باهتة لعينين مغرورقتين بالدموع لكن لم تطفر منهما ولا واحدة حتى جاءت باولا وأيقظت أمي من سباتها الطويل لتقول لها بأن لها ابنا يرغب في البكاء فهلا تذيبين تلك الصخور . أو لعلها امي نفسها جاءت متقمصة باولا فظروف موتهما متشابهة رغم اختلاف نوع المرض فقد ماتت باولا إثر غيبوبة استمرت حوالي السنة سببها خطأ طبي – جرعة زائدة من مخدر – أدى إلى تلف في الدماغ. بينما ماتت أمي نتيجة غيبوبة أيضا لكن بدون أن يتمكن نظام علي صالح الطبي من معرفة سببها.

وهكذا استجابت أمي لتوسلاتي السرية لها بأن تمنحني فرصة أخيرة للبكاء بعد فترة طويلة من نضوب نهر الدموع أو تصخرها, ” فرصة أخيرة يا بني لكنها ستطول لما تبقى من حياتك حيث ستظل تذكرني دون أن تتمكن من البكاء مجددا ستبكي نعم لكن بصمت ودموع جافة, وفي يوم من الأيام سآتي إليك متسربلةً باولا لأموت مجددا أمام عينيك لأمنحك دمعة أخيرة متخثرة تتسلل خفية ودون أن تشعر بها وتتوقف تماما عند منتصف خدك الأيسر لكن هذه المرة بدون مخاط ”  

اكتبي يا إزابيل ” هذا ما طلبته كارمن بالثيس, وكيلة إيزابيل الليندي الأدبية, في محاولة منها للتخفيف من حزن الكاتبة على ابنتها, وهكذا بدأت إيزابيل في سرد تاريخ الأسرة ممزوجا بتاريخ التشيلي في جو مفعم بالخيال الواقعي والوقائع السحرية مخاطبة ابنتها باولا وهي على سرير المرض بدءً من أسبانيا وحتى اصطحابها إلى نيويورك في محاولة أخرى  لإنقاذ ابنتها من براثن الموت مستعينة بأمهر الأطباء والعرافين.

لا أعرف عند أي صفحة من الرواية تحسست فيها خدي الأيسر لأجد دمعة قصيرة ومبتورة وخشنة, وأخيرا تحطم جزء صغير من الصخرة ذلك أني لم أعد إنسان طبيعي بما فيه الكفاية فقد تحول بكائي إلى نوع آخر صامت منذ فترة طويلة لكني على يقين من أن أولئك الذين لم تتصخر بعد مخازن دموعهم بإمكانهم البكاء بكل أريحية وهم يرحلون مع كل حرف من هذه الرواية خصوصا ذلك الجزء المتعلق بالرسالة التي تركتها باولا قبل موتها, تماما وهي في ذروة شهر عسلها مخبرة زوجها بأن لا يفتحوا تلك الرسالة إلا بعد موتها. ” يفتح بعد موتي ” هكذا كتبت يا باولا وهكذا كان, لكن ” أي  حلم ذلك الذي رأيته يا ابنتي وأنت في ذروة شهر العسل وجعلك تستيقظين صارخة لتكتبي هذه الرسالة ,غير راغبة في العودة إلى النوم مجددا ! “

من تدوينة سابقة:

رواية كتبتها الكاتبة  أثناء مرافقتها لأبنتها باولا خلال سباتها الطويل في أحد مستشفيات مدريد ثم في منزلها في كاليفورنيا . في الرواية تستعرض الكاتبة تاريخ الأسرة ممزوجا بتاريخ تشيلي الحديث في أسلوب حكائي بديع كعادتها في جميع رواياتها .ستبتسم وتقهقه وترتجف وتبكي وإن لم تفعل ذلك فأنت لم تقرأ الرواية .

وإن لم تقرأ لإيزابيل فأنت لم تقرأ الرواية قط !!

ولمن أراد أن يبدأ معها رحلة ممتعة من القراءة فليبدأ مع روايتها الأولى “ بيت الأرواح ” 1982  أولى روايتها وقد كانت عبارة عن رسالة طويلة تودع فيها جدها الذي يحتضر لكنها اكتشفت بعد أن أنهتها أنها كتبت 500 ورقة وأن ما كتبته لم يكن مجرد رسالة عادية بل رواية ومن يومها كرت سبحة الحكايات السحرية .

تقول إيزابيل في هذه الرواية – باولا – ” لقد كتبت قبل إحدى عشرة سنة رسالة إلى جدي أودعه وهو يموت , وفي هذا الثامن من كانون الثاني 1992, أكتب إليك يا باولا لكي أعيدك إلى الحياة . “

بعد أن تنهي هذه الرواية أنصحك بـعدها بقراءة ” ابنة الحظ ” ثم ” صورة عتيقة” ثم بقية رواياتها الواقعية السحرية ” إيفالونا “  و” الخطة اللانهائية ” و” باولا ” و ” إينيس ” لتنتقل بعدها إلى روايتها التي تخاطب فيها الجيل الجديد في ” مدينة البهائم ” ولتستكمل مذكراتها في  ” حصيلة الأيام “  . قد تجد روايتها الثانية ” الحب والظلال ” ليست في مستوى بقية الروايات وأنت محق في ذلك لكن لا تدع هذه الرواية توقف مسيرتك لاستكمال الرحلة الممتعة …

وداعا باولا المرأة أهلا باولا الروح

في هذا الرابط ستجد معظم رواياتها وبأحجام صغيرة ونسخ كاملة ونظيفة من ابداع علي مولا

4shared.

لن تندم

24/11/2011

اترك رد أو تعليق - Your comment

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.