I Dreamed Him White- DiDi Higginbotham

معادلة النهضة – بين الماضوية و الحداثة

 

كبسولة الأفغاني : ” العربي يعجب بماضيه وأسلافه وهو في أشد الغفلة عن حاضره ومستقبله ” جمال الدين الأفغاني

كبسولة طرابيشيكما في كل قطيعة فإن الدور الأول يعود إلى العقل البشري. وحده العقل الذي حررته العلمنة من قيد السلفيات والغيبيات يمكن أن يثور ويثوِّر معه التقنية ووسائل الإنتاج.”  هرطقات 2 –  جورج طرابيشي

“تمديد أجل ما صار جزءً من التراث لن يُعد إلا تحنيطا “

****

دعاة العودة إلى النص من خلال العودة إلى تراث البلاغة العربية في “عصرها الذهبي” يتهمون دعاة الحداثة بممارسة قطيعة معرفية مع هذا التراث ويدَّعون بأنه لا ضمان للمستقبل بدون الارتباط الثقافي بالماضي الحضاري وهم بذلك يصوغون معادلة لا سبيل إلى التقدم بدونها قائمة على ( ماض + حاضر = مستقبل ) وهي معادلة شكلية لا غبار عليها لو كان الهدف هو المستقبل لكن ليس هذا هو الحال مع دعاة العودة إلى الماضي فالمستقبل يرادف في معادلتهم الماضي والعكس صحيح. هؤلاء يتناسون بأن الإسلام – صانع نهضة العرب قديما – هو أول من مارس هذا النوع من القطيعة مع تراث الماضي ليس ذلك وحسب بل وسفه هذا الماضي بأن أطلق عليه الوصف ” جاهلي “.

فعلى ماذا تقوم معادلة النهضة, على إحداث قطيعة مع الماضي – خصوصا إذا كان هذا الماضي أداة تأخر لا تقدم – أم على الوصل معه؟ وأي نوع من القطيعة أو الوصل مطلوب في هذا السياق؟ وهل الوصل مع الماضي يضمن لنا الوصل مع العقل؟! وما مكانة العقل في هذا الماضي ؟   

والحديث هنا عن واقع الماضي العملي – التاريخي – لا النظري – عالم المثل العربي الإسلامي – ففي هذا الواقع الأخير يمكن التلفيق والتزوير والتأويل بحيث يتحول ذاك الماضي إلى جنة عقلية وارفة بالفكر. ” ففي غرفة تشريح التاريخ تبدو الأشياء على غير صورتها في مرآة المثل الأعلى.” الاكتفاء بالحديث عن التاريخ سيقودنا إلى الحديث عن تجربة المعتزلة الوحيدة والقصيرة في تاريخ الفكر الإسلامي. فهل يراد لنا العودة إلى ربوع تلك البرهة؟ وهل يمكن العودة حقا؟ وما هو شكل هذه العودة, هل بالاحتفاء بذلك الماضي والتذكير بأمجاده أم بتبني مقولاته ومنهجه؟ وهل يمكن لهذه المقولات وذاك المنهج أن يؤدي دوره المطلوب في سياق تاريخي مختلف ومتخلف؟! بمعنى آخر هل دواء داء الماضي يناسب أمراض الحاضر وعلله ؟!

هذه ليست أسئلة بقدر ما هي إجابات فالماضي الذي يراد لنا العودة إليه نراه ونسمعه من المنابر السلفية المسيطرة والسائدة وهذه المنابر على علاقة سيئة بالعقل والعلم وهي لا ترى التقدم إلا في التقمص الكامل لكل أبعاد الماضي في الملبس والمأكل والمشرب بل وحتى في طريقة المشي والكلام !

الوصل مع تراث الماضي يعني من وجهة نظر الداعين إليه إلغاء فكر الحاضر بجعله أسيراً لفكر الماضي . بكلمة أخرى إلغاء فكر الأحياء وبعث فكر الموتى, أن نستعير واقع الماضي لينير لنا واقع حاضرنا ومستقبلنا . لكنهم لا يقولون لنا ذلك صراحةً, ففي سياق الدعاية والترويج لهذه العودة يصورون لنا ذاك الماضي مرادفا للنور, وهو كذلك لكنه نور لا يسطع إلا في غرفة الماضي السوداء ” إن مصباح “الماضي ” باهر في الغرفة السوداء, ولكن ما أبهته عندما يخرج المرء إلى النور .”  هذه العودة تريد لنا أن نقبع هناك أو أن ننطلق من هناك وهو ما يتناقض هنا مع معادلة الحداثة, بوصفها ” المران الحر للعقل البشري والقطيعة الفلسفية مع الموقف الإيماني والاستلاب الميتافيزيقي ” وقانون الحداثة ينص على  التطور الدائم دون تنكر لماضيها لكن في نفس الوقت دون توقف عند أي لحظة من لحظاته مهما كانت أهميته.

والعودة التي يدعون إليها ذات مفاهيم أيديولوجية مفارقة لا ينطبق عليها قانون التقادم حيث تستطيع التشبث والبقاء حتى في ظل مفارقتها وعدم مطابقتها للواقع الجديد وهي بهذا تريد أن تحل محل المفاهيم العلمية التي تنزع إلى حل نفسها بنفسها متى فارقها الواقع لتحل محلها مفاهيم من طبيعة الواقع الجديد. باختصار ” إذا لم تتم إحالة كل ما هو  متقادم إلى التقاعد, فإن الحداثة ستكف عن أن تكون هي الحداثة. وتمديد أجل ما صار جزءاً من التراث لن يُعد إلا تحنيطا. “

الوصل مع الماضي لن يكون إلا بالوصل مع العقل والوصل مع العقل يتطلب علمنة العلم والعقل واللغة والثقافة والمجتمع كآلية ومنصة انطلاق حضاري بدءً من المدرسة والمجتمع ومؤسسات الدولة المختلفة وهذه مهمة ليست بالهينة ويتطلب تنفيذها عشرات السنين. كما أن التقدم لا يتم بالنظر إلى الوراء إلا لدراسة مشكلاته وزلاته لتجنبها حاضرا ومستقبلا. فإذا كانت هذه دعوتهم فمرحبا بها .

12/12/2011

_________________________________________________________________

منشور في :

الحوار المتمدن 

ومركز الدراسات والأبحاث العلمانية

و المصلح 

ومترجمة إلى الإنجليزية : The Nahda equation – between the past and the present

_________________________________________________________________

7 تعليقات على “معادلة النهضة – بين الماضوية و الحداثة

  1. يوجد مشكلة!

    لم اعد ارد على النوع من المقالات لعدة اسباب، اهمها انه ليس لدي الثقافة حول العلمانية و الحداثة و الميتافيزيقية (أرجو اني كتبتها صح 😛 )
    إلى الآن مثلا لم يتم تحديد معنى كلمة “العلمانية” لاحظ الجملة التالية التي جعلتني اتجاهل الرد على النص في البداية

    >علمنة العلم والعقل …

    كيف “علمنة العلم”، و كأنك تقول (لغويا) “ترطيب الماء”، ذلك يذكرني ببعض العلمانيين الذين يشبهون من في مثالي هذا، تدخل نادي رياضي لتجتمع من مجموعة من الرياضيين و الرائدين في مجال الرياضة، و لكن ولا واحد منهم مارس الرياضة في حيانه و لا يمارسونها في النادي و اجسامهم ابعد ماتكون عن اجسام الرياضيين، ثم علي أن اثبت لهم بالمناقشة بأنهم ليسوا رياضيين، و يتنهي بي بأن اسمع بأنهم يحاولون “رضينة الرياضة”.

    >”المران الحر للعقل البشري” (بقية الجملة غريبة علي)

    طيب من الذي يحكم من هو الذي يملك هذا المران و لأي درجة، و كيف، أم يكفي أن أنتمي إلى هذا النادي لاحصل على بطاقة بأني “مرن العقل”؟

    • اعتقد اني في علمنة العلم اقتبس من جورج طرابيشي في هرطقات 2 مع ذلك ولا تزعل إن كان هذا التعبير سيقف حجر عثرة أمام تلقيك للنص
      قد يعني علمنة العلم في هذا السياق عولمته أو نشر قيم التفكير العلمي بجعلها عالمية

      • وهذه قائمة بمستويات العلمنة التي وردت في هرطقات 2
        مستويات العلمنة ( العلمنة الدينية – العلمنة الثقافية – العلمنة اللغوية – العلمنة الإنسانية – العلمنة العقلية -العلمنة العلمية – العلمنة الطبقية – العلمنة القانونية – العلمنة السياسية – العلمنة الجنسية )
        لكي اسهل عليك ابدأ بالقراءة من الصفحة 99 وما بعدها
        بالمناسبة إلى أين وصلت في قراءة الكتاب ؟

      • >المناسبة إلى أين وصلت في قراءة الكتاب

        أخخخ، ذكرتني بأيام المدرسة

        كلها مقبولة حتى “علمنة العلم” لكني افهمها باسلوب آخر، عليك أن تحضر احدى المناظرات العلمية في العالم العربي و سترى لماذا نحن بحاجة إلى علمنة العلم، تتحول المناظرة العلمية عن الفضاء و الفلك مثلا إلى مقاتلة و ماهترات لفظية، أو على الاقل تحجر في الرأي و اتهام الآخرين بالغباء لعدم اقتناعه بالطرف الأول.

  2. لم يكن قصدي أن أتحول إلى أستاذ مدرسة في العالم الافتراضي رغم شغري لهذه الوظيفة في الواقع العملي . لم يكن سوى مجرد سؤال واسبب أنك عبرت مرارا عن برمك بالعلمانية والسبب ربما يعود – من وجهة نظرك – لعدم وجود مفهوم محدد عن العلمانية وكأن تحديد مفهوم العلمانية أو تقييدها في معنى محدد يعد ميزة – هذا الكتاب يساعدنا على التخلص من هكذا أفكار ويقين مطلق
    عن العلم والعلماء اتفق معك مع التحفظ على التعميم

    • كنت امازحك بالنسبة للكتاب، إلا ان نبرة الاستاذ كانت موجودة 😛

      نعم لا يوجد تعريف مطلق للعلمانية، و لكن يجب أن يوجد تعريف اساسي يتم الانطلاق منه، أو خط عام يتم فيه اقصاء المتعلمنين، لا كما يتم العكس حاليا، ليقفز في وجهك من يريد الحجر على عقلك من خلال تعاليم تعتمد على مشايخه من العلمانيين متفقين فيها مع مشايخ السلطة (طبعا لا اقصدك) و هذه لها قصص عندي معهم و لكن قبل ان افرد لها تدوينة يجب أن افهم الخط العام لهؤلاء حتى لا اظلم الجميع.

      لم اقرأ الكتاب لاني لا اقرأ الكتب الالكترونية، و قصدت المكتبة صراحة لاشتريه و لكن لم اجده، سوف احاول البحث عنه في المكتبات الكبيرة.

      لكن اوقف همتي، انني قد هل إذا قرأته اخذت صورة واصحة مجملة، أم مجرد رأي خاص بـ “جورج طرابيشي”؟، هذه الاجابة انتظرها منك.

اترك رد أو تعليق - Your comment

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.